أول عملي-264

1970678_380255172157046_9141938211593825648_n
خرسانة بإختبار لمعمل كلية الهندسة

 

مفروض البنات يعرفوا يعجنوا والاه؟
قالها و أسفر عن ضحكة بدائية لرجل ظننت من فرط جدية طريقته في التدريس أنه لا يضحك أبداً, ضحكة تبدو كمجاملة للضحك ذاته, ثم عاد إلى وجهه الوقور ثانية.
ثم كان الدور عليّ, وجدت نفسي أقف وحيدة امام الطاولة و أمامي صينية ممتلئة بالإسمنت و من خلفي مجموعة من الشباب, نظرت في عيون الفتيات على الطرف الآخر من الطاولة, كنّ يشبكن ايديهن و ينظرن إلى شيء ما عالق في الهواء على الطاولة, ينأين بأنفسهن عن هذه التصرفات بشكل صريح. لا أمل, إنه دوري أنا.
“اعجني” ردّ صوت أحد المختصين بالأمر. غصصت يدي في القفاز البلاستيكي كبير الحجم, داعبت الحبيبات الرمادية ..تخيلت أنها مجرد دقيق الذي أحب أن ألعب بذراته قبل العمل عليه منذ الطفولة و حتى اليوم, انطلقت ذراع تمد لي صحناً موزوناً بدقة من الماء, اعلم جيداً انه 112 جرام من الماء, لذلك بدات أصبه في حذر, كل قطرة ثمينة, لكل قطرة وزن معلوم و لا يجب أبدا التفريط فيها.
ها هو الامر يحدث, أنا أعجن عجنة الاسمنت, أنا هنا بالكامل داخل الهندسة المدنية لا فرار بعد اليوم. أخذت أقلب الدقيق الأحرش مع الماء, لم يكن كأي شيء عجنته يوماً, لا كالتراب المبلل بالماء الذي طالما لعبت به و لا كالدقيق و الماء الذي أسيء عجنه, و لا عجينة الحنة, تلك التي أحب من دون كل العجائن. كان القوام ناعماً و لامعاً, كيف يلمع الاسمنت بلا زيت! بطريقة ما بدا لي الأمر جميلاً, ربما حتى قد كنت أبتسم و ان أدعك الكتل ببعضها, امتدت تلك اللحظة إلى الأبد اذ أنني أصنع بيدي المادة السحرية التي تصنع بيوت هذه المدينة, هي مادة هذه المدينة.. مدينة من الإسمنت كما أراها دوماً بجدران بيوتها المهملة من أن يتم طلاءها, و يظهر لون الاسمنت قاتماً في كل مكان تقع عليه عينك, الشوارع الأرصفة البيوت و البنايات غير المكتملة ..لون الرصاص وحده من يطغى.
إنتهى بي الأمر لأول تجربة لي مع الاسمنت-لا زال هناك المزيد- بيدين ملظختين بالسواد و روح تشتعل حماساً و رغبة في أن أحدث جميع أصدقائي و حتى الغرباء عن هذه التجربة, إذ انني رسمياً الآن ..أبدأ خطواتي في البناء.